قال الله _تعالى_: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً... وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً" (الفرقان:63-76).
في هذه الآيات الكريمات من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله _عز وجل_ أحوال عباده الذين شرفهم بنسبهم إليه.
وقبل أن نتابع أحوالهم عبر بيان كلام العلماء في تفسير الآيات نذكر بأهم الصفات التي ذكرها القرآن لأهل التقى والصلاح الذين هم عباد الرحمن المخلصين:
أهم سمات الصالحين في القرآن..
1ـ
إيمانهم بالغيب:
لا شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم، فإنها التي تدعوهم إلى العبادة والانقياد الكامل لأمر الله _عز وجل_ ونهيه، وهذه الصفة هي أول صفة وصفهم الله _عز وجل_ بها في كتابه.
قال الله _تعالى_: "ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (البقرة:2-4).
وقال: "إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ" (يّـس: من الآية11)، وقد كان _صلى الله عليه وسلم_ منذراً لكل الناس، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره، وهذه الآية نظير آية "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" (فصلت: من الآية44).
والدعاة إلى الله ينطلقون من الإيمان بالغيب نحو تعديل وإصلاح حال الأرض، فهم يرتبطون بذلك الرباط الذي لا ينقطع، حيث أرواحهم رفرافة إلى الجنة وعقيدتهم سائرة على التوحيد يرتجون القلب السليم ليلقوا به ربهم..
2ـ
العفو والصفح:
وهو خلق علمه النبي _صلى الله عليه وسلم_، أن يعفوا عمن ظلمه ويعطي من حرمه، وقد أخبر الله _عز وجل_ أن من اتصف بهذه الصفة فأجره على الله _عز وجل_ "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (الشورى:40).
كما رغبهم الله _عز وجل_ في مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال _عز وجل_ في سورة النور: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النور: من الآية22). وقال _تعالى_: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: من الآية134). كما قال _تعالى_: "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (البقرة: من الآية237).
فعلى الداعية إلى الله أن يعفوا وأن يصفح وأن يكون خير الناس صفحاً وأن يمثل القدوة والمثال في ذلك قولاً وعملاً وتطبيقاً، فكم أوذي الصالحون وغفروا، فهل تنتقم لنفسك أيها الداعية لقول سوء قيل فيك؟ أفأنت خير من هؤلاء الأخيار؟!
3-
الصدق:
فهم يتحرون الصدق في كل شؤون حياتهم..قال _تعالى_: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (الزمر:33), وقال _تعالى_: "أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة: من الآية177), قال القاسمي: "أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا" في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فلم تغيرهم الأحوال ولم تزلزلهم الأهوال، وفيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم لم يصدق في دعواه الإيمان، وقد رغب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الصدق، فقال: "وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً" متفق عليه.
وصدق الداعية إلى الله لا يقتصر على قوله وبعض فعله، بل يعم حياته كلها، فيصدق مع نفسه ويسأل نفسه: لمن أقوم بالدعوة إلى الله؟ وهل أرجو الشرف لنفسي؟ وهل أرجو الفخر لنفسي؟ وماذا لو لم أذكر بشيء هل أظل حريصا عليها؟!
4ـ
تعظيم شعائر الله:
قال _تعالى_: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج:32).
قال القرطبي _رحمه الله_: شعائر الإسلام أعلام دينه...وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب، ولهذا قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الصحيح: "التقوى ههنا وأشار إلى صدره", فالمتقون يعظمون طاعة الله وأمره فيدفعهم ذلك إلى طاعته، ويعظمون كذلك ما نهى الله عنه فيدفعهم ذلك عن معصيته، وعكس ذلك الاستهانة بالأوامر فلا يؤديها، وبالنواهي فيقع فيها _نسأل الله السلامة_, قال أنس _رضي الله عنه_: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، لنعدها على عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من الموبقات" البخاري.
وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: "إن المؤمــن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقـال به هكذا" البخاري.
قال العيني: السبب فيه أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ذلك عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل منه النجاة بخلاف الجبل إذا سقط عليه فإنه لا ينجو عادة " جامع الأصول.
والدعاة إلى الله يعلمون الناس تعظيم شعائر الله قولا وفعلا، فواجب عليهم أن إذا ذكروا تذكروا، وإذا نهو انتهوا، وإذا وعظهم واعظ استمعوا، وإذا ردهم للحق راد عادوا إلى الصواب، وهم يعظمون شعائر الله حتى لو فقدوا كل ما يملكون...
أوصاف عباد الرحمن كما في الآيات...
1- أول هذه الأوصاف أنهم يمشون على الأرض هونا "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً" أي: بسكينه ووقار وتواضع وبغير تجبر ولا استكبار، وليس المقصود أنهم يمشون كالمرضى تضعفا ورياء، فقد كان _صلى الله عليه وسلم_ إذا مشى فكأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره السلف المشي بتضعف وتصنع، وقال الحسن البصري _رحمه الله_: إن المؤمنين قوم ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح، و دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة.
والداعية إلى الله إنما هو نموذج للتواضع وخفض الجناح، فلا يغتر بعلم، ولا يظنن أنه قد اكتسب مكانته بين الناس بجهده، بل هو محض فضل من الله، وكرم لما يحمل من خير، وليبن ذلك في حديثه وسلوكه وفي غضبه ورضاه.
2- وثاني صفاتهم: أنهم "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً" أي: إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يردوا عليهم بمثله، بل يصفحون ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لا تزيده شدة الجاهل إلا حلما.
وللنبي _صلى الله عليه وسلم_ مشاهد كثيرة في حلمه على الناس وفي دفع السيئة منهم بالحلم منه _صلى الله عليه وسلم_ فيقابل السيئة بالحسنة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن رجلا أتى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً".
كذلك في الحديث المتفق عليه عن أنس _رضي الله عنه_ قال: كنت أمشي مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
فهل يمتثل الدعاة إلى الله ذلك الوصف؟ فكم رأينا من داعية غضوب، وكم رأينا من ينتقم لنفسه، وينتصر لها، بل وقد يقع بعضهم في عرض آخر، وقد يغتابه، محتجاً بأنه ينتقده علميا أو فقهيا، وقد يستبيح بعضهم سباب آخرين لمجرد مخالفته في أسلوب عمل..فتأمل!
3- وصفتهم الثالثة: أنهم "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" فأخبر الله _سبحانه وتعالى_ عن عبادة أن ليلهم خير ليل، فقال _سبحانه وتعالى_: "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" وكما قال _تعالى_: "كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الذاريات:17، 18)، وقال _تعالى_: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً" (السجدة: من الآية16)، وأشار _سبحانه وتعالى_ في قوله: "لِرَبِّهِمْ" إلى إخلاصهم فيه ابتغاء وجهه الكريم.
وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ "كان ينام أول الليل، ويقوم آخره فيصلي" متفق عليه.
وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قالوا: ما هممت؟ قال هممت أن أجلس وأدعه. متفق عليه.
وروى مسلم عن حذيفة _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلى بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، (يعني على آل عمران) ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترتلاً، وإذا مر يتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه.
وروى مسلم عن جابر _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أي الصلاة أفضل؟ فقال: "طول القنوت".
والدعاة إلى الله أحوج ما يكون إلى وقوف في جوف الليل وسجود طويل بين يدي الله لتصفو منهم النفوس وتطهر منهم القلوب فيصيرون أهلا لتلقى الأمانة وأداء التبعة.
4- وصفتهم الرابعة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" فهم وجلون مشفقون من عذاب الله _عز وجل_، خائفون من عقابه، "إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" أي: ملازما دائما. ولهذا قال الحسن البصري: كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام اللازم ما دامت الأرض والسماوات.
فخوف الدعاة إلى الله غير نظرتهم للأهداف، وغير طموحهم ورجائهم، فلا رجاء لهم في الدنيا غير رجاء الخائفين، ولا استقرار لهم في المتاع، ولا هم يتلذذون بلذات الدنيا..
5- وصفتهم الخامسة: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم وقال الحسن البصري: ليس في النفقة في سبيل الله سرف، وروى مسلم عن أبي عبد الرحمن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " أفضل دينار ينفقه الرجل دينا ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله.
6- وصفتهم السادسة: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" (الفرقان:68).
روى البخاري في الجامع الصحيح عن عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لله أنداداً وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قال: ثم أي؟ "أن تزاني حليلة جارك" قال عبد الله وأنزل الله تصديق ذلك "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ" الآية.
7- وصفتهم السابعة التوبة: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً" (الفرقان: من الآية70).
روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ _صلى الله عليه وسلم_ هذه الآية "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ" (آل عمران: من الآية135).." أخرجه أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر.
وفي الصحيحين عن عثمان أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي الصحيحين عن أنس قال: "كنت عند النبي _صلى الله عليه وسلم_، فجاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ قال: ولم يسأله عنه، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي _صلى الله عليه وسلم_، لما قضى النبي _صلى الله عليه وسلم_ الصلاة قام إليه الرجل، فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَ كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال نعم قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدك".
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قوله _تعالى_: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: من الآية78) قال: "هو سعة الإسلام وما جعل لأمة محمد من التوبة والكفارة".
والدعاة إلى الله لاشك يذنبون، ولكنهم فوراً يسارعون إلى التوبة والاستغفار واتباع السيئة الحسنة، فالصف المؤمن إذا دخله الفساق واستقروا وانتشروا فيه فَقَدَ اتزانه وتخلخل ثباته فلم يعد يصلح لتحمل الأمانة..
8- وصفتهم الثامنة: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" فهم لا يشهدون الزور، وهو: الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل، كما في الصحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الشرك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور ألا وقول الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت، يقول ابن كثير _رحمه الله_ والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أي: لا يحضرونه، ولهذا قال _تعالى_: "وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" أي: لا يحضرون الزور وإذا اتفق مرورهم به مروا به ولم يندسوا منه شيء، ولذلك قال: "مَرُّوا كِرَاماً".
9- وصفتهم التاسعة: "وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً" أي: هؤلاء المؤمنون وهم عباد الرحمن حالهم بخلاف من إذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه فيستمر على حاله كأن لم يسمعها.
فكم سمعنا عن بكاء الصالحين ودموع العابدين، فهل افتقد الدعاة تلك الدموع؟ أم هل جفت دموعهم لما غابت عن البكاء في سبيل الله، إن دموع الداعية إلى الله هي عطر حلال يعطر به نفسه ويزين به وجهه أمام الله.
10- وصفتهم العاشرة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، قال ابن عباس: أي يخرج من أصلابهم من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة.
سئل الحسن البصري عن هذه الآية، فقال: والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً، أو ولد ولد أو أخا أو حميما مطيعا لله _عز وجل_، وقال ابن عباس أئمة يقتدى بنا في الخير، قال غيره أجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير.
وهنا تتراءى أمام الدعاة إلى الله أهمية التربية الإيمانية ووسائلها ومبادئها، فتربية كل راع لرعيته مسؤولية إيمانية، واهتمام الصالحين بأسرهم وأبنائهم صفة خيرية من صفات عباد الرحمن السابقين.
كاتب المقال: خالد روشه
المصدر: المسلم نت